الحرية
-أ-
أيتها الحرية المحبوبة ...
تحتفل بأعيادك الأمم ، وتنصب لتمجيدك التماثيل ، ويتشادق بأمجادك الخطباء ، ويتغنى بمفاتنك الشعراء، و يتفننُ في مجاليك الكُتّاب، و يتهالك من أجلك الأبطال وتسفك في سبيلك الدماء ، و تُدَكُّ لسراحك القلاع و المعاقل ولكن أين أنت في هذا الوجود؟.
- كم من أمم تحتفل بعيدك و قد وضعت نير العبودية على أمم.. وأمم ...
- كم من قوم نصبوا لك التماثيل في الأرض، و قد هدموك في القلوب والعقول والنفوس .
- وكم من خطيب فيك مفوّهٍ و قد كمَّ عن ذكراكِ الأفواهَ.
- وكم من شاعر فتنه جمالك ، و لكن لا شعور له مع المستعبدين.
- وكم من كاتب ألبسكِ الحلل الضافية من نسخ أقلامه، و لكنه لا ينيلكِ خرقةً باليةً من صنع يدهِ.
- وكم من أبطال استشهدوا لإنقاذك و لكن خلفهم من قضى عليك في مهدِكِ.
- وكم من دماء زكية كتبت بها صحائف تاريخك، و لكن محتها دماءُ قلوب تحدّرت دموعاً من الجفونِ.
- وكمهُدّمَ لسراحكِ ما هدم ، و لكن بني على أنقاضه سجون الأحرار . فأين أنت أيتها الحرية المحبوبة في هذا الوجود؟.
- ب-
فتشت عنك في قصور الأغنياء ، فوجت القوم قد استعبدهم الدينار والدرهم- تعس عبد الدينار والدرهم- و غلّت أيديَهم الى أعناقهم الشهوات . فتشت عنك في أكواخ الفقراء ، فوجدت المساكين قد قيدهم الفقر و رماهم في غابات الجهل و دركاتِ الشقاء
فتشت عنك في الشعوب القوية ، فوجت العتاة الطغاة قد قيدتهم الأطماع في ثروات الضعفاء.
فتشت عنك في الشعوب الضعيفة فوجدتُ الأنضاء المرهقين قد كبلهم استعباد الأقوياء.
-ج -
فأين أنت أيتها الحرية المحبوبة ، من هذا الورى ؟
- أنت .. أنت الحقيقة الخفية خفاء حقيقة الكهرباء ..
- أنت .. أنت الروح السارية في عالم الأحياء..
- ولئن خفيت بذاتك، فقد تجليت على منصة الطبيعة في بساط الأرض وأجزاء السماء ، فأبصرتك عيون اكتحلتْ بأثمدِ الحقيقة ، واقتبست منك عقول صُقِلت بالعرفان و احتضنتك صدور أنيرت بالإيمان، وتذوقتك نفوس ما عبدت إلا الله ، وخدمك قوم آمنوا بالله وصدقوا المرسَلين .
-د-
آهٍ..آهٍ أيتها الحرية المحبوبة، واشوقاهُ إليك بل وا شوقاه إليهم، المحيا محياهم، والممات مماتهم .
أنقذ اللهم بهم عبادك، واحيي بلادك، وألحقنا – اللهم بهم- غير مبدلين ولا مغيرين .. آمين.
عبد الحميد بن باديس